كل مرحلة استثمارية في عمر المشاريع التقنية الناشئة لها قصتها, أهدافها وتحدياتها. وبإمكاننا أن نرى النمو الكبير في عدد الصفقات الاستثمارية في المنطقة. ففي المملكة العربية السعودية فقط, وفي النصف الأول لسنة 2020م, بلغت الصفقات الاستثمارية في المراحل المبكرة 81%, 14% في المرحلة (أ) و 5% في المرحلة (ب) وقد بلغ إجمالي قيمتها 95 مليون دولار (356.25 مليون ريال) – حسب تقرير منصة ماجنيت.

 

تعطينا هذه البيانات لمحة عن موجة قادمة لنمو سريع في منظومتنا الريادية الشابة, ومع كل موجة في رحلة التطور, تتراءى أهمية الاستعداد لمواجهة تحديات مختلفة قد تتجلى في طريق نمو الشركات التقنية من مراحلها المبكرة إلى المرحلة الاستثمارية (أ).

 

تختلف احتياجات تلك المشاريع باختلاف مراحلها, ففي المرحلة الاستثمارية المبكرة -Seed Stage- يبحث روّاد الأعمال عن الدعم المالي بهدف التشغيل وتطوير نموذج متقدم للمشروع وإطلاقه, توظيف أعضاء الفريق الرئيسيين, أو تأجير مساحة عمل على سبيل المثال. أما عن سُبل الحصول على الدعم المالي في هذه المرحلة فهي تختلف, فإما أن تكون عن طريق مدخرات رائد الأعمال, أو برامج تمويلية توفرها جهات حكومية وخاصة, أو مستثمرين ملائكيين, أو الاقراض الجماعي, أو إعادة تشغيل رأس المال المكتسب -Bootstrapping.

 

بعد هذه المرحلة المبكرة, ومع نمو المشروع, تأتي الحاجة لفتح جولة استثمارية للمرحلة (أ) والتي تختلف أهدافها بين التوسع الجغرافي, تطوير التقنية المستخدمة, والاستحواذ على حصة أكبر من السوق, وغيره. كما يتم استهداف صناديق الاستثمار الجريء بشكل رئيسي لدعم هذه العملية.

 

في هذا المقال, نسلط الضوء على بعض التحديات التي قد تواجه روّاد الأعمال المتجهين بنموهم نحو استهلال جولتهم الاستثمارية للمرحلة (أ).

 

  • عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بأولويات استخدام المبلغ الاستثماري:

قد يقع رائد الأعمال في معضلة عدم وضوح رؤيته بما يخص أولويات استخدامات المبلغ الاستثماري الذي يحتاجه المشروع, مما يؤثر على عملية تحديد المبلغ المطلوب تحصيله من الجولة الاستثمارية وبالتالي عملية التواصل مع المستثمرين. فقد يضع وَزنــا أكبر مما يحتاجه المشروع في هدف دون الآخر؛ فقد يرى أهمية أكبر لهدف تطوير التقنية لجيل جديد, أو في التوظيف وتطوير الفريق, أو التسويق عموما.

عدم اتساق حجم المبلغ المُراد تحصيله من الجولة الاستثمارية مع استخداماته المحددة من قِبل رائد الأعمال يؤثر على مستوى ثقة المستثمرين بالمشروع وبرائد الأعمال كذلك مما يؤثر على عملية تحصيل رأس المال المطلوب للمرحلة (أ) خلال الفترة المأمولة.

 

  • صعوبة توقع مقدار التكلفة المخصصة للحصول على مستخدمين أو عملاء جدد:

حساب تكلفة الحصول على شريحة جديدة من المستخدمين وبالتالي الاستحواذ على حصة أكبر من السوق قد يكون تحديا رئيسيا لبعضٍ من الشركات التقنية الناشئة أكثر من أخرى. كما أن ضعف عملية اكتشاف وتوظيف قنوات قابلة للنمو لاكتساب العملاء باستدامة قد يجعل الشركة غير قادرة على اكتساب كمية متزايدة من المستخدمين بشكل دوري, وهذا يمثل جزءا آخر من التحدي.

تَستخدم الكثير من المشاريع الريادية قنوات تقليدية وإعلانات مدفوعة للوصول إلى العملاء والتي انخفضت مدى فعاليتها في ظل المنافسة الشرسة, بينما تبتكر شركات أخرى طرقا مبتكرة للوصول إلى شريحة مختلفة من العملاء.
في إحدى مقالاتنا السابقة, تحدثنا عن أحد الاستراتيجيات المهمة في توسيع شريحة العملاء المستهدفين من خلال توظيف الحاجة الإنسانية للشعور بالقيمة والانتماء في كسب ولاء العملاء وزيادة المبيعات والتي بإمكانكم الاطلاع عليها.

 

  • نموذج عمل مُتعذّر على النمو, أو فريق غير مؤهل لتشغيله, أو…. ؟

 

نجاح المشاريع الريادية يعتمد على مرونة نماذج أعمالها:

إمتلاك الشركة لنموذج عمل قابل للتطوير والتوسع يُمكّنها مع الوقت من النمو المستمر, مما يزيد من إيرادات الشركة أضعافا ويقلص من حجم التكلفة. نماذج العمل التي لا يُرى لنموها المستقبلي طريقا غالبًا ما يصعب أو يتعذر عليها الحصول على استثمار.

 

أهلية الفريق:

قد يكون نموذج العمل وخطة تطويره مثاليةً للمشروع ولكن حين يتم وضعه قيد التنفيذ, لا تُسفر النتائج عمّا كان مأمولا. قد يرجح السبب لعدم أهلية أو مناسبة الفريق المنفِّذ أو المشغِّل للمشروع. وهنا تأتي أهمية استقطاب الكفاءات الملائِمة لنموذج العمل والتي تتمتع بروح ريادية. وكعادتنا, نعود ونركز على أهمية كفاءة فريق خدمة العملاء للشركات الناشئة على وجه الخصوص.

 

العلاقة المتناغمة:

من جهة أخرى, قد يكون أفراد الفريق مؤهلون تماما لتنفيذ المشروع, ولكن المعضلة التي تقف في وجه تشغيل نموذج العمل على أكمل وجه هي ضعف جودة التواصل والتناغم بين أعضاء الفريق, أو بين الفريق والقائد, والذي قد يزعزع من سير العمل.

 

 

  • التوظيف واستقطاب المواهب المناسبة:

كما أشرنا أعلاه, وبشكل عام, يتمثل استقطاب المواهب والمهارات المناسبة وتدريبها تحديا آخر لدى بعض المشاريع الريادية التقنية, فقد يكون مكلفا وغير مضمون النتائج. ولكن مع اتباع بعض الخطوات المدروسة, بإمكان الشركة أن تستقطب وتحتفظ بالكفاءات لمضاعفة العائد الاستثماري على عمليات التوظيف.  وبهذا الخصوص, بإمكانكم الاطلاع على إحدى مقالاتنا السابقة على منصة ماجنيت.

 

  • عدم التحقق من مناسبة المنتج للسوق بشكل كافٍ:

  1. كم عدد العملاء الذين خاضوا تجربة مشروعك حتى الآن؟
  2. كم شخصا منهم استمر باستخدام المنتج أو الخدمة بعد المرة الأولى؟
  3. هل عاد لاستخدامه في فترة زمنية معينة لاحقا؟
  4. هل تواصلت مع هؤلاء بهدف معرفة تقييمهم للمنتج؟
  5. وهل يمثلون الشريحة المستهدفة فعلا؟

النسبة الفعلية لقبول المنتج في السوق هي الأساس الذي تُبنى عليه الجولة الاستثمارية (أ) ولابد لهذه النسبة أن تكون مُمَثِلة فعلا لشريحة الجمهور المستهدف.

للحصول على هذه النسبة بشكل أكثر دقة, وكجزء من الدراسة المستمرة للسوق, يعتمد رواد الأعمال على دراسة دورية لفعالية مشاريعهم في حياة المستخدمين الأوليين, كما يستمرون بتحفيزهم على تقييم المنتج بين الحين والآخر حتى يتبينوا إن كان مناسبا للسوق أساسا ويتعرفوا على أفضل الإمكانيات التطويرية المستقبلية له.

 

  • اختيار المستثمر المناسب

لاشك أن الحصول على دعم استثماري عملية غير سهلة بحدّ ذاتها, وقد يزيد من صعوبتها الاستهداف العشوائي للمستثمرين. استهداف المستثمرين يشابه عملية استهداف العملاء, من جهة ما, ففي هذا الوجه من القصة, المستثمرون هم العملاء المستهدفون.

 

فكما ذكرنا سابقًا, يعتقد بعض روّاد الأعمال أن مهارات البيع والتسويق ودراسة الجمهور محدود تطبيقها فقط على المستهلكين أو المستخدمين للمنتج أو الخدمة النهائية, لكنها حقيقةً تتعدى ذلك إلى كل علاقة وكل هدف يسعى لتحقيقه (مثل هدفه للحصول على دعم استثماري) ويخطئ البعض باعتقاده أن تحقيقه لهذا الهدف مرتبط فقط بالعدد المتاح للمستثمرين في المنطقة ومقدار السيولة المتوفرة لديهم.

 

فحتى المستثمرون أنفسهم والصناديق الاستثمارية يختلفون بأهدافهم وشخصياتهم وخبراتهم والعوامل الجاذبة لهم, والقيمة التي بإمكانهم إضافاتها أكثر من غيرهم لمجالٍ أو سوق أو أنواع محددة من المشاريع.

 

 

  • التركيز على عملية الجولة الاستثمارية:

قد تختلط وتتشعب مهام رائد الأعمال في شركته, ولكن قبل بدء الجولة الاستثمارية, لابد أن يتأكد من توكيله لكل المهام الأخرى غير المتعلقة بالجولة الاستثمارية للأعضاء المناسبين من فريقه, حتى يصب تركيزه في عملية الحصول على الدعم المالي بأكثر كفاءة ممكنة.

 

 

شاركنا التحديات التي مازلت تواجهها كرائد أعمال خلال فترة قيامك بالجولات الاستثمارية.

 

Leave a Reply